الإقامة رقم 2: يوسف نجيب
"جِلدٌ آخرْ"
تعد إقامة الرواية ضمن برنامج "تحرير المحسوس " دعوة للتأمل والتفكير والتخطيط، واستعادة لدينامية الكتابة الروائية بوصفها فعلا بحثيا وتجريبيا، ومصاحبة لتنزيل العمل وخلق الحلم والجمال عبر استيتيقا محلية خارجة عن التمثلات . وذلك باعتماد منهجيات غير نموذجية بدءاً من الإقامات المنفردة والورش والإنتاج الجماعي، وصولاً إلى الكتابة، والتجارب الصوتية، والمنشورات المصاحبة الشاملة التي تكون حاضرة باستمرار في إقامة مختبر تاوسنالاب، هذه الأجواء التي تشجّع على إجراء حوارات نقدية مستمرة، وبناء أشكال متطورة معاصرة من السرديات بوجهات نظر مجالية من أجل خلق مشاريع كتابة لها علاقة بالسيناريو المجالي والاجتماعي للمدينة جغرافيا. يتاح للكاتب المقيم أن يمارس الكتابة بوصفها فعلا يوميًّا، لا يقطعه ضجيج الالتزامات ولا يشتته إيقاع الحياة اليومية المتسارعة. تمنحه هذه الاقامة فرصةً لإعادة اكتشاف صوت الحكاية في داخله، والتوغّل في أعماق الشخصيات التي ابتكرها، ويمنحها ملامح أكثر تحررا من سلطة اشكال البناء الروائي المعولم. وتخليص عوالم الرواية من المركزية الكتابية من خلال عوالم الأطراف، ونزع العنف المستورد في الكتابة الروائية بصفة خاصة والسردية بصفة عامة.
دخل الروائي والقاص يوسف نجيب تجربة الإقامة الإبداعية مع مختبر تاوسنالاب من أجل العمل على مشروع روائي جديد. تكون يوسف نجيب أساسا في الدراسات العربية والإسلامية في التعليم العتيق بعدة مدارس عتيقة بمنطقة سوس، ودرس تخصص الدراسات الإنجليزية بجامعة ابن زهر، وهو الأمر الذي مكنه من التشبع بمعارف لغوية وفقهية ومنطقية مهمة، وبناء خلفياته الثقافية والفنية. يملك هذا الروائي رصيدا كتابيا يزاوج بين القصة التي أبدع فيها مجموعة بعنوان "الآخرون"، وثلاث روايات هي: "الثلاثة" 2017، "فرسان حبقوق" 2020، "ملابس الإمبراطور الجديدة" 2024.
ويسعى في هذه الإقامة إلى الاشتغال على مشروع رواية تحت عنوان "جلد آخر" (عنوان مؤقت)، مبنية على تتبع أسباب دينامية التغيير القيمي باعتباره صيرورة اجتماعية يمكن أن تقع بين لحظة وأخرى، وترصد الرواية المجتمع المغربي الحديث بالغوص في تفاصيل فئة الشباب، عين الروائي هي عين ملاحظ يتحسس ويتجسس على ما يحيط به من عوالم، يرى يوسف ناجب أن جيل التسعينات، إن صح التحديد وإلا فإن التمايز يستحيل بين أجيال متقاربة، كانت له ملامحه الخاصة ومنظومته القيمية المتميزة، وظل يعاني تشظي الانتماء باعتباره جيلا انتقاليا عاش أغلب أبنائه قبل وبعد واقعة التكنولوجيا والمجتمع الرقمي. إنه جيل البين بين في قيمه، ومن هذا المنطلق يبني شخصية تعيش حظوة خاصة وثورة نفسية مرتبطة بعوامل مختلفة بعضها تاريخي وثقافي وبعضٌ آخر وليد الواقع، يجد البطل نفسه بين صفحات كتاب "كفاحي" أدولف هتلر، وعلى نحوٍ لا يفهمه يبدأ بفهم مشكلته مع النجاح. وهذه ملاحظات ومخرجات يستطيع من خلالها بناء عالم روائي يرصد من خلاله عوامل تشكل مفاهيم مثل الشعور والخير والشر والانتماء والفردانية والأسرة في السياقات المغربية.
يتفاعل عمل "جلد آخر" مع مفهوم النجاح والانسلاخ من مشكلات الواقع العادية، في جو واقعي متخم بالأحداث، ويمكن أن نقول أن الشخصية الأولى تذوب في وسط لا يقبله، أو بتعبير آخر هل يمكن لكتاب واحد يقرؤه البطل أن يغير حياته؟ هل تملك الكتب هذه السلطة؟
يراهن يوسف نجيب على هذه الإقامة من أجل بلورة البنى السردية والدلالية لروايته، وتنقيحها وإعادة كتابتها لتستوي للنشر والتداول. في محاولة جديدة لجعل البنية اللغوية جزءا من السياق الروائي، -أن تكون اللغة جزءا يتطور مع الأحداث- وأيضا لتقديم تجربة إنسانية قد تبدو على حسب كل منظور- نفسية، سحرية، غرائبية، دون الخروج من المحيط الاجتماعي، محاولا بقدر استطاعته الغوص في بنيات المجتمع المغربي من منطلق الانسلاخ أو بتعبير آخر، "التجرد" اي الفهم بدل الحكم طارحا أسئلة عديدة منها: ماذا يبقى من المواطن المغربي اليوم عندما نجرده من لباسه الثقافي؟ وهل يمكن أن ينجح أحدنا في كسر النمطية في العيش واختيار نهج جديد -نوعا ما- ؟ يوسف نجيب منفتح لأول مرة في تاريخه أن يشارك تجربته هذه في هذه الإقامة مع المقيمين والضيوف.

